سورة البقرة - تفسير تفسير الشوكاني

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (البقرة)


        


قرأ أبو عمرو {وعدنا} بغير ألف، ورجحه أبو عبيدة، وأنكر {واعدنا} قال: لأن المواعدة إنما تكون من البشر، فأما من الله فإنما هو التفرّد بالوعد على هذا وجدنا القرآن كقوله: {وَعَدَكُمْ وَعْدَ الحق} [إبراهيم: 22] وقوله: {وَإِذْ يَعِدُكُمُ الله إِحْدَى الطائفتين} [الأنفال: 7] ومثله، قال أبو حاتم ومكي: وإنما قالوا هكذا نظراً إلى أصل المفاعلة، أنها تفيد الاشتراك في أصل الفعل، وتكون من كل واحد من المتواعدين، ونحوهما، ولكنها قد تأتي للواحد في كلام العرب كما في قولهم: داويت العليل، وعاقبت اللص، وطارقت النعل، وذلك كثير في كلامهم. وقرأه الجمهور: {واعدنا} قال النحاس: وهي أجود، وأحسن، وليس قوله: {وَعَدَ الله الذين ءامَنُواْ} [المائدة: 9، النور: 55] من هذا في شيء؛ لأن واعدنا موسى إنما هو من باب الموافاة، وليس هو من الوعد والوعيد في شيء، وإنما هو من قولك: موعدك يوم الجمعة، وموعدك موضع كذا؛ والفصيح في هذا أن يقال، واعدته. قال الزجاج: واعدنا بالألف ها هنا جيد؛ لأن الطاعة في القبول بمنزلة المواعدة، فمن الله سبحانه وعد، ومن موسى قبول. قوله: {أَرْبَعِينَ لَيْلَةً} قال الزجاج: التقدير تمام أربعين ليلة، وهي عند أكثر المفسرين ذو القعدة، وعشر من ذي الحجة، وإنما خص الليالي بالذكر دون الأيام؛ لأن الليلة أسبق من اليوم فهي قبله في الرتبة.
ومعنى قوله: {ثُمَّ اتخذتم العجل} أي: جعلتم العجل إلهاً من بعده، أي: من بعد مضي موسى إلى الطور.
وقد ذكر بعض المفسرين أنهم عدوا عشرين يوماً، وعشرين ليلة. وقالوا: قد اختلف موعده، فاتخذوا العجل، وهذا غير بعيد منهم، فقد كانوا يسلكون طرائق من التعنت خارجة عن قوانين العقل، مخالفة لما يخاطبون به، بل ويشاهدونه بأبصارهم، فلا يقال: كيف تعدون الأيام، والليالي على تلك الصفة، وقد صرح لهم في الوعد بأنها أربعون ليلة، وإنما سماهم ظالمين؛ لأنهم أشركوا بالله، وخالفوا موعد نبيهم عليهم السلام، والجملة في موضع نصب على الحال.
وقوله: {مِن بَعْدِ ذلك} أي: من بعد عبادتكم العجل، وسمي العجل عجلاً، لاستعجالهم عبادته كذا قيل، وليس بشيء؛ لأن العرب تطلق هذا الاسم على ولد البقر.
وقد كان جعله لهم السامريّ على صورة العجل. وقوله: {لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} أي لكي تشكروا ما أنعم الله به عليكم، من العفو عن ذنبكم العظيم الذي وقعتم فيه. وأصل الشكر في اللغة: الظهور، من قولهم: دابة شكور إذ ظهر عليها من السمن فوق ما تعطى من العلف. قال الجوهري: الشكر: الثناء على المحسن بما أولاك من المعروف، يقال شكرته وشكرت له، وباللام أفصح، وقد تقدّم معناه، والشكران خلاف الكفران.
والكتاب: التوراة بالإجماع من المفسرين.
واختلفوا في الفرقان، وقال الفراء، وقُطرُب: المعنى: آتينا موسى التوراة، ومحمداً الفرقان.
وقد قيل: إن هذا غلط، أوقعهما فيه أن الفرقان مختص بالقرآن، وليس كذلك، فقد قال تعالى: {وَلَقَدْ ءاتَيْنَا موسى وهارون الفرقان} [الأنبياء: 48] وقال الزجاج: إن الفرقان هو: الكتاب، أعيد ذكره تأكيداً.
وحكى نحوه عن الفراء، ومنه قول عنترة:
حييت من طلل تقادم عهده *** أقوى وأقفر بعد أم الهيثم
وقيل: إن الواو صلة، والمعنى: آتينا موسى، الكتاب الفرقان، والواو قد تزاد في النعوت كقول الشاعر:
إلى المَلكِ القَرْم وابن الهمام *** وليثِ الكتَيبةِ في المُزَدحمْ
وقيل المعنى: أن ذلك المنزل جامع بين كونه كتاباً وفارقاً بين الحق، والباطل، وهو كقوله: {ثُمَّ ءاتَيْنَا مُوسَى الكتاب تَمَامًا عَلَى الذى أَحْسَنَ وَتَفْصِيلاً لّكُلّ شَئ} [الأنعام: 154] وقيل الفرقان: الفرق بينهم، وبين قوم فرعون، أنجى هؤلاء، وأغرق هؤلاء.
وقال ابن زيد: الفرقان: انفراق البحر. وقيل الفرقان: الفرج من الكرب. وقيل: إنه الحجة والبيان بالآيات التي أعطاها الله من العصا، واليد، وغيرهما، وهذا أولى، وأرجح، ويكون العطف على بابه، كأنه قال: آتينا موسى التوراة، والآيات التي أرسلناه بها معجزة له.
قوله: {يَا قَوْمٌ} القوم يطلق تارة على الرجال دون النساء، ومنه قول زهير:
وَمَا أدْرِي وَسَوف إخَالُ أدْرِي *** أقَومٌ آل حِصْنٍ أَمْ نِسَاء
ومنه قوله تعالى: {لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مّن قَوْمٍ} [الحجرات: 11]، ثم قال: {وَلاَ نِسَاء مّن نّسَاء} [الحجرات: 11]، ومنه {وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ} [الأعراف: 80] أراد الرجال، وقد يطلق على الجميع كقوله تعالى: {إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحاً إلى قَوْمِهِ} [نوح: 1] والمراد هنا بالقوم: عبدةُ العجل. والباريء: الخالق. وقيل إن الباريء: هو: المبدع المحدث، والخالق هو: المقدّر الناقل من حال إلى حال. وفي ذكر البارئ هنا إشارة إلى عظيم جرمهم، أي: فتوبوا إلى الذي خلقكم، وقد عبدتم معه غيره. والفاء في قوله: {فتوبوا} للسببية: أي: لتسبب التوبة عن الظلم، وفي قوله: {فاقتلوا} للتعقيب، أي: اجعلوا القتل متعقباً للتوبة. قال القرطبي: وأجمعوا على أنه لم يؤمر كل واحد من عبدة العجل بأن يقتل نفسه بيده. قيل: قاموا صفين، وقتل بعضهم بعضاً. وقيل: وقف الذين عبدوا العجل، ودخل الذين لم يعبدوه عليهم بالسلاح فقتلوهم. وقوله: {فَتَابَ عَلَيْكُمْ} قيل: في الكلام حذف أي: فقتلتم أنفسكم، {فتاب عليكم} أي: على الباقين منكم. وقيل: هو جواب شرط محذوف، كأنه قال: فإن فعلتم، فقد تاب عليكم. وأما ما قاله صاحب الكشاف من أنه يجوز أن يكون خطاباً من الله لهم على طريقة الالتفات، فيكون التقدير: ففعلتم ما أمركم به موسى فتاب عليكم بارئكم، فهو بعيد جداً كما لا يخفى.
وقد أخرج ابن جرير عن أبي العالية في قوله: {أَرْبَعِينَ لَيْلَةً} قال: ذا القعدة، وعشراً من ذي الحجة.
وقد أخرج ابن جرير عنه في قوله: {مِن بَعْدِ ذلك} قال: من بعد ما اتخذتم العجل.
وأخرج عبد ابن حميد، وابن جرير عن مجاهد في قوله: {وَإِذْ ءاتَيْنَا مُوسَى الكتاب والفرقان} قال: الكتاب هو: الفرقان، فرق بين الحق والباطل.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر عن ابن عباس قال: الفرقان جماع اسم التوراة، والإنجيل، والزبور، والقرآن.
وأخرج ابن جرير عنه قال: أمر موسى قومه عن أمر ربه أن يقتلوا أنفسهم، واختبأ الذين عكفوا على العجل، فجلسوا، وقام الذين لم يعكفوا على العجل فأخذوا الخناجر بأيديهم، وأصابتهم ظلمة شديدة، فجعل يقتل بعضهم بعضاً، فانجلت الظلمة عنهم عن سبعين ألف قتيل، كل من قتل منهم كانت له توبة، وكل من بقي كانت له توبة.
وأخرج ابن أبي حاتم عن عليّ قال: قالوا: لموسى ما توبتنا؟ قال: يقتل بعضكم بعضاً، فأخذوا السكاكين، فجعل الرجل يقتل أخاه، وأباه، وابنه، لا يبالي من قتل حتى قتل منهم سبعون ألفاً، فأوحى الله إلى موسى: مرهم، فليرفعوا أيديهم، وقد غفر لمن قُتل، وتَيب على من بقي.
وقد أخرج عبد بن حميد عن قتادة، وأخرج أحمد في الزهد، وابن جرير عن الزهري، نحواً مما سبق.
وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي العالية في قوله: {إلى بَارِئِكُمْ} قال: خالقكم.


قوله: {وَإِذْ قُلْتُمْ} هذه الجملة معطوفة على التي قبلها، وظاهر السياق أن القائلين هذه المقالة هم: قوم موسى. وقيل هم السبعون الذين اختارهم. وذلك أنهم لما سمعوا كلام الله قالوا له بعد ذلك هذه المقالة، فأرسل الله عليهم ناراً فأحرقتهم، ثم دعا موسى ربه، فأحياهم كما قال تعالى هنا: {ثُمَّ بعثناكم مّن بَعْدِ مَوْتِكُمْ} وسيأتي ذلك في الأعراف إن شاء الله. والجهرة: المعاينة، وأصلها الظهور، ومنه الجهر بالقراءة، والمجاهرة بالمعاصي، ورأيت الأمر جهرة وجهاراً: أي غير مستتر بشيء، وهي مصدر واقع موقع الحال، وقرأ ابن عباس: {جهرة} بفتح الهاء، وهي لغتان مثل زهرة، وزهرة، ويحتمل أن يكون على هذه القراءة جمع جاهر. والصاعقة قد تقدم تفسيرها، وقرأ عمر، وعثمان وعليّ: {الصعقة} وهي قراءة ابن محيصن، والمراد بأخذ الصاعقة إصابتها إياهم.
{وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ} في محل نصب على الحال، والمراد من هذا النظر الكائن منهم أنهم نظروا أوائل الصاعقة النازلة بهم الواقعة عليهم.
لا آخرها الذي ماتوا عنده، وقيل المراد بالصاعقة الموت، واستدل عليه بقوله: {ثُمَّ بعثناكم مّن بَعْدِ مَوْتِكُمْ} ولا موجب للمصير إلى هذا التفسير، لأن المصعوق قد يموت كما في هذه الآية، وقد يغشى عليه، ثم يفيق كما في قوله تعالى: {وَخَرَّ موسى صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ} [الأعراف: 143] ومما يوجب بُعْد ذلك قوله: {وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ} فإنها لو كانت الصاعقة عبارة عن الموت لم يكن لهذه الجملة كبير معنى، بل قد يقال: إنه لا يصح أن ينظروا الموت النازل بهم، إلا أن يكون المراد نظر الأسباب المؤثرة للموت. والمراد بقوله: {ثُمَّ بعثناكم} الإحياء لهم لوقوعه بعد الموت، وأصل البعث الإثارة للشيء من محله، يقال: بعثت الناقة، أي: أثرتها، ومنه قول امرئ القيس:
وإخوان صدقٍ قد بَعَثْت بِسحْرِة *** فَقَامُوا جَمِيعاً بين غَاثٍ ونشوان
وقول عنترة:
وصحابةٌ شُمُ الأُنوف بَعْثتَهم *** لَيلاً وَقد مَال الكرَى بطلاها
وإنما عوقبوا بأخذ الصاعقة لهم؛ لأنهم طلبوا ما لم يأذن الله به من رؤيته في الدنيا.
وقد ذهبت المعتزلة ومن تابعهم إلى إنكار الرؤية في الدنيا والآخرة، وذهب من عداهم إلى جوازها في الدنيا، والآخرة، ووقوعها في الآخرة.
وقد تواترت الأحاديث الصحيحة بأن العباد يرون ربهم في الآخرة، وهي قطعية الدلالة، لا ينبغي لمنصف أن يتمسك في مقابلها بتلك القواعد الكلامية التي جاء بها قدماء المعتزلة، وزعموا أن العقل قد حكم بها، دعوى مبنية على شفا جُرُف هار، وقواعد لا يغترّ بها إلا من لم يحظ من العلم النافع بنصيب، وسيأتيك إن شاء الله بيان ما تمسكوا به من الأدلة القرآنية، وكلها خارج عن محل النزاع، بعيد من موضع الحجة، وليس هذا موضع المقال في هذه المسألة.
قوله: {وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ الغمام} أي: فعلناه كالظلة، والغمام جمع غمامة كسحابة، وسحاب، قاله الأخفش: قال الفراء ويجوز غمائم.
وقد ذكر المفسرون أن هذا جرى في التيه بين مصر، والشام لما امتنعوا من دخول مدينة الجبارين. والمنّ: قيل هو: الترنجبين. قال النحاس: هو بتشديد الراء، وإسكان النون، ويقال: الطرَّنجبين بالطاء، وعلى هذا أكثر المفسرين، وهو: طلٌّ ينزل من السماء على شجر، أو حجر، ويحلو، وينعقد عسلاً، ويجفّ جفاف الصمغ، ذكر معناه في القاموس، وقيل إن المنّ العسل، وقيل شراب حلو، وقيل خبز الرقاق، وقيل إنه مصدر يعمّ جميع ما مَنَّ الله به على عباده، من غير تعب، ولا زرع، ومنه ما ثبت في صحيح البخاري، ومسلم، من حديث سعيد بن زيد عن النبي صلى الله عليه وسلم: «أن الكمأة من المنّ الذي أنزل على موسى» وقد ثبت مثله من حديث أبي هريرة عند أحمد، والترمذي، ومن حديث جابر، وأبي سعيد، وابن عباس عند النسائي. والسلوى: قيل هو: السُمَاني، كحبارى، طائر يذبحونه، فيأكلونه. قال ابن عطية: السلوى طير بإجماع المفسرين، وقد غلط الهذلي فقال:
وقاسمهما بالله جَهْداً لأنتُما *** ألذُّ من السَلوى إذا ما أشورها
ظنّ أن السلوى العسل. قال القرطبي: ما ادعاه من الإجماع لا يصح.
وقد قال المؤرج أحد علماء اللغة، والتفسير: إنه العسل. واستدل ببيت الهذلي، وذكر أنه كذلك بلغة كنانة، وأنشد:
لو شربت السُّلوان ما سلوت *** ما بي غنا عنك وإن غنيت
وقال الجوهري: والسلوى العسل. قال الأخفش: السلوى لا واحد له من لفظه مثل الخير والشرّ، وهو يشبه أن يكون واحده سلوى.
وقال الخليل: واحده سلواة، وأنشد:
وإني لتعروني لذكراك سلوة *** كما انتفض السلواة من سلكه القطر
وقال الكسائي: السلوى واحدة، وجمعه سلاوى. وقوله: {كلوا} أي: قلنا لهم كلوا، وفي الكلام حذف، والتقدير: قلنا كلوا فعصوا، ولم يقابلوا النعم بالشكر، فظلموا أنفسهم، وما ظلمونا، فحذف هذا لدلالة {ولكن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} عليه، وتقديم الأنفس هنا يفيد الاختصاص.
وقد أخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {حتى نَرَى الله جَهْرَةً} قال: علانية.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن أنس قال: هم: السبعون الذين اختارهم موسى {فَأَخَذَتْكُمُ الصاعقة} قال: ماتوا {ثُمَّ بعثناكم مّن بَعْدِ مَوْتِكُمْ} قال: فبعثوا من بعد الموت ليستوفوا آجالهم.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير عن قتادة في قوله: {ثُمَّ بعثناكم} نحوه.
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله: {وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ الغمام} قال: غمام أبرد من هذا، وأطيب، وهو الذي يأتي الله فيه يوم القيامة، وهو الذي جاءت فيه الملائكة يوم بدر، وكان معهم في التيه.
وأخرج عبد بن حميد، وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله: {وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ الغمام} قال: كان هذا الغمام في البرية ظلل عليهم الغمام من الشمس، وأطعمهم المنّ، والسلوى حين برزوا إلى البرية، فكان المنّ يسقط عليهم في محلتهم سقوط الثلج أشدّ بياضاً من اللبن، وأحلى من العسل، يسقط عليهم من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس، فيأخذ الرجل قدر ما يكفيه يومه ذلك، فإن تعدى ذلك فسد ما يبقى عنده، حتى إذا كان يوم سادسه يوم جمعته أخذ ما يكفيه ليوم سادسه، ويوم سابعه فبقي عنده، لأنه كان يوم عيد لا يشخص فيه لأمر المعيشة، ولا لطلبة شيء، وهذا كله في البرية.
وأخرج عبد بن حميد، وابن أبي حاتم عن عكرمة قال: المنّ شيء أنزل الله عليهم مثل الطلّ، والسلوى: طير أكبر من العصفور.
وأخرج وكيع، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن أبي حاتم عن مجاهد، قال: المنّ صمغة، والسلوى: طائر.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن السدي قال: قالوا: يا موسى كيف لنا بما ها هنا أين الطعام؟ فأنزل الله عليهم المنّ، فكان يسقط على الشجرة الترنجبين.
وأخرجوا عن وهب أنه سئل ما المنّ؟ قال: خبز الرقاق، مثل الذرة، أو مثل النوى.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن الربيع بن أنس قال: المنّ شراب كان ينزل عليهم مثل العسل، فيمزجونه بالماء، ثم يشربونه.
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: كان المنّ ينزل عليهم بالليل على الأشجار، فيغدون إليه فيأكلون منه ما شاءوا، والسلوى طائر يشبه السماني، كانوا يأكلون منه ما شاءوا.
وأخرج ابن جرير عنه نحوه.
وأخرج ابن جرير، عن ابن مسعود وناس من الصحابة، في السلوى مثله.
وقد روى نحو ذلك عن جماعة من التابعين، ومن بعدهم.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {وَمَا ظَلَمُونَا} قال نحن أعزّ من أن نظلم.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {ولكن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} قال: يضرّون.


قال جمهور المفسرين: القرية هي بيت المقدس. وقيل إنها أريحاء قرية من قرى بيت المقدس، وقيل: من قرى الشام. وقوله: {كُلُواْ} أمر إباحة، و{رَغَدًا} كثيراً واسعاً، وهو: نعت لمصدر محذوف، أي: أكلاً رغداً، ويجوز أن يكون في موضع الحال، وقد تقدم تفسيره. والباب الذي أمروا بدخوله هو باب في بيت المقدس يعرف اليوم بباب حطة. وقيل: هو: باب القبة التي كان يصلي إليها موسى وبنو إسرائيل. والسجود قد تقدم تفسيره: وقيل: هو: هنا الانحناء، وقيل: التواضع والخضوع، واستدلوا على ذلك بأنه لو كان المراد السجود الحقيقي الذي هو وضع الجبهة على الأرض لامتنع الدخول المأمور به؛ لأنه لا يمكن الدخول حال السجود الحقيقي.
وقال في الكشاف: إنهم أمروا بالسجود عند الانتهاء إلى الباب شكراً لله، وتواضعاً. واعترضه أبو حيان في النهر المادّ، فقال: لم يؤمروا بالسجود، بل هو: قيد في وقوع المأمور به، وهو: الدخول، والأحوال نسب تقييدية، والأوامر نسب إسنادية. انتهى. ويجاب عنه بأن الأمر بالمقيد أمر بالقيد، فمن قال: اخرج مسرعاً، فهو أمر بالخروج على هذه الهيئة، فلو خرج غير مسرع كان عند أهل اللسان مخالفاً للأمر، ولا ينافي هذا كون الأحوال نسباً تقييدية، فإن اتصافها بكونها قيوداً مأموراً بها هو شيء زائد على مجرد التقييد.
وقوله: {حِطَّةٌ} بالرفع في قراءة الجمهور على إضمار مبتدأ، قال الأخفش: وقرئت: {حطة} نصباً على معنى احطط عنا ذنوبنا حطة، وقيل معناها الاستغفار ومنه قول الشاعر:
فَازَ بِالحطةِ التي أمرَ الله *** بها ذَنْبَ عبده مَغْفُوراً
وقال ابن فارس في المجمل: {حطة} كلمة أمروا بها، ولو قالوها لحطت أوزارهم. قال الرازي في تفسيره: أمرهم بأن يقولوا ما يدل على التوبة؛ وذلك لأن التوبة صفة القلب، فلا يطلع الغير عليها، وإذا اشتهر، وأخذ بالذنب، ثم تاب بعده لزمه أن يحكي توبته لمن شاهد منه الذنب؛ لأن التوبة لا تتمّ إلا به. انتهى. وكون التوبة لا تتم إلا بذلك لا دليل عليه، بل مجرد عقد القلب عليها يكفي، سواء اطلع الناس على ذنبه أم لا. وربما كان التكتم بالتوبة على وجه لا يطلع عليها إلا الله- عزّ وجل- أحبّ إلى الله، وأقرب إلى مغفرته، وأما رفع ما عند الناس من اعتقادهم بقاءه على المعصية، فذلك باب آخر. وقوله: {نَغْفِرْ لَكُمْ} قرأ نافع بالياء التحتية المضمومة، وقرأه ابن عامر بالتاء الفوقية المضمومة، وقرأه الباقون بالنون، وهي أولى. والخطايا جمع خطيئة بالهمز، وقد تكلم علماء العربية في ذلك بما هو معروف في كتب الصرف، وقوله: {وَسَنَزِيدُ المحسنين} أي: نزيدهم إحساناً على إحسانهم المتقدم، وهو اسم فاعل من أحسن، وقد ثبت في الصحيح: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن الإحسان فقال: «أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك» وقوله: {فَبَدَّلَ الذين ظَلَمُواْ قَوْلاً غَيْرَ الذي قِيلَ لَهُمْ} قيل: إنهم قالوا: حنطة. وقيل غير ذلك، والصواب أنهم قالوا: حبة في شعرة كما سيأتي مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم. وقوله: {فَأَنزَلْنَا عَلَى الذين ظَلَمُواْ} هو من وضع الظاهر موضع المضمر لنكتة، كما تقرر في علم البيان، وهي هنا: تعظيم الأمر عليهم وتقبيح فعلهم، ومنه قول عدي بن زيد:
لا أرَى المْوت يسبق الموتَ شيءٌ *** نغَّص الموت ذا الغنَى والفَقِيرا
فكرر الموت في البيت ثلاثاً؛ تهويلاً لأمره، وتعظيماً لشأنه. وقوله: {رِجْزًا} بكسر الراء في قراءة الجميع إلا ابن مُحَيْصن، فإنه قرأ بضم الراء. والرجز: العذاب، والفسق قد تقدم تفسيره.
وقد أخرج عبد الرزاق، وابن جرير، وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله: {ادخلوا هذه القرية} قال: بيت المقدس.
وأخرج بن جرير عن ابن زيد قال: هي أريحاء قرية من بيت المقدس.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والحاكم وصححه عن ابن عباس في قوله: {ادخلوا الباب} قال: باب ضيق {سُجَّدًا} قال: ركعاً. وقوله: {حِطَّةٌ} قال: مغفرة، فدخلوا من قبل أستاهم، وقالوا: حنطة؛ استهزاء. قال: فذلك قوله تعالى: {فَبَدَّلَ الذين ظَلَمُواْ قَوْلاً غَيْرَ الذي قِيلَ لَهُمْ} وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال: الباب هو أحد أبواب بيت المقدس، وهو: يدعى باب حطة.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والطبراني في الكبير، وأبو الشيخ عن ابن مسعود قال: قيل لهم: {ادخلوا الباب سُجَّداً} فدخلوا مقنعي رءوسهم، وقالوا حنطة: حبة حمراء فيها شعيرة.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير وابن أبي حاتم، عن عكرمة في قوله: {وادخلوا الباب سُجَّدًا} قال: طأطئوا رءوسكم. {وَقُولُواْ حِطَّةٌ} قال: قولوا لا إله إلا الله.
وأخرج البيهقي في الأسماء، والصفات عن ابن عباس في قوله: {قُولُواْ حِطَّةٌ} قال: لا إله إلا الله.
وأخرج ابن أبي حاتم عنه قال: كان الباب قبل القبلة.
وأخرج البخاري، ومسلم وغيرهما من حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «قيل لبني إسرائيل: ادخلوا الباب سجداً، وقولوا حطة، فبدلوا، فدخلوا يزحفون على أستأهم، وقالوا حبة في شعرة».
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر عن ابن عباس وأبي هريرة، قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «دخلوا الباب الذي أمروا أن يدخلوا فيه سجداً يزحفون على أستاههم، وهم يقولون: حنطة في شعيرة»
، والأول أرجح لكونه في الصحيحين.
وقد أخرجه معهما من أخرج هذا الحديث الآخر: أعني ابن جرير، وابن المنذر.
وأخرج ابن أبي شيبة، عن عليّ قال: إنما مثلنا في هذه الأمة كسفينة نوح، وكباب حطة في بني إسرائيل.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم، عن ابن عباس قال: كل شيء في كتاب الله من الرجز يعني: العذاب.
وأخرج مسلم، وغيره من حديث أسامة بن زيد وسعد بن مالك وخزيمة بن ثابت، قالوا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «وإن الطاعون رجز، وبقية عذاب عُذِّب به أناس من قبلكم، فإذا كان بأرض، وأنتم بها فلا تخرجوا منها، وإذا بلغكم أنه بأرض، فلا تدخلوها».

6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13